- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (012) سورة يوسف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأخوة الكرام، قال تعالى:
﴿وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)﴾
هذه الآية فيها إشارات كثيرة.
الإشارة الأولى: أنَّ الإنسان إذا ظَهَرَ أمام الناس بِمَظْهَر الغِنى أو عرض ما عندَهُ، أو تحدَّث عن أمواله، وعن مَصْروفِهِ، وعن بيْتِهِ وعن رِحْلاتِه، ودَخْلِهِ، وحجْم إنْفاقِه.. إذا ظهر الإنسان بِمَظْهر الغِنى والتَّرَف، ما الذي يَحْصَل ؟ قد يأتي إنسان فقير قد تلبَّس به الشَّيْطان فإذا نظر الفقير إلى هذا الغَنِيّ نَظْرَةَ حسَدٍ، وكان هذا الغنيّ غافلاً عن الله تعالى سرى هذا الشَّيْطان من هذا الفقير الحاسِد إلى هذا الغنِي الغافِل، وهذا ما يُعَبِّرُ عنه العَوام بالعَيْن، وربُّنا عز وجل يقول:
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3)مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(5)مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)﴾
وقال تعالى:
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(1)مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ(2)وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ(3)وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ(4)وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ(5)﴾
لذلك قالوا كَثْرة الظُّهور تَقْصِم الظُّهور قال تعالى:
﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(79)﴾
فَهُناك أشْخاص همُّهم الحديث عن أوْلادِهم وذكاء أولادِهم، وعن نجابَةِ أولادهم، أو عن بيْتِهم أو عن موْقِعِ بيْتِهم، أو الأثاث الفاخِر الذي زُيِّنَ به البيت ! فإذا كان هذا الهو الهَدَف دون أن يشْعُر، ففي ساعة الغَفْلَة قد يَحْسُدًُه حاسِد مُتَلَبِّسٌ به الشَّيْطان، ويسْري حينها الشيطان فيه.
يقول لك: به عَيْن، ومرِضَ مرضًا كبيرًا ومات به، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((العين تضع الجمل في القدْر...))
فأنت لا تَضْمَن أنَّ هذه الذي أمامك مَوْصول بالله تعالى فلو أنَّهُ كان مَوْصولاً لما حسَدَك، لأنَّ ربَّنا عزَّ وجل وصَفَ المؤمنين أنَّهم يتنافسون في طاعة الله تعالى، قال تعالى:
﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ(26)﴾
المؤمن الدنيا خارِج اهْتِمامِه، ولذا علَّمَنا النبي أنَّهُ من رأى بيتًا فخْمًا أو مرْكَبَةً كان يقول:
((اللهم لا عيْش إلا عيش الآخرة..))
فمتاع الدنيا من بيوت ومركبات مُتَوَقِّفَة على نبْض القلب انتهى كل شيء، فلا يوجد قَبْر خمْس نُجوم !! فَكُلّ مَخْلوق يموت ولا يبْقى إلا ذو العِزَّة والجبَروت ؛
الليل مهما طال فلا بدّ من طلوع الفجْر
والعُمْر مهما طال فلابدّ من نزول القبر
وكل ابن أنثى وإن طالتْ سلامتـــه
يــومًا على آلة حَدْباء مَحْمــــول
فإذا حَمَلْتَ إلى القبور جنـــازَةً
فـــاعْلَم بأنَّك بعْدها مَحْمــــول
***
أيها الأخوة، ما ذُكِرَ الموت في كثير إلا قلَّلَهُ، ويُذْكر في قليل إلا كثَّرَهُ فإذا الإنسان مَحْروم وفقير وزواجُهُ غير ناجِح، وبيتُهُ صغير، ودَخْلُهُ أقلّ مِن مَصْروفِه، وكان مؤمنًا ومُسْتقيمًا على أمْر الله فإنَّهُ إن ذَكَر الموت ذَكَر الجنَّة، قال تعالى:
﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْمُحْضَرِينَ(61)﴾
فالذي معه أموال لا تأكلُها النِّيران إذا مات لم يبْقَ معه إلا هذا القبر الصغير وسَيُشَيَّع إلى مَثْواه الأخير، أما المَثْوى مُوَقَّت فَهُوَ مُوَقَّت ولن تبْق فيه إلى أبد الآبدين، فإذا الإنسان إذا فكَّر بِبَيْتِه فلا بدّ من يومٍ يخرجُ منه دون أن يرْجِع، فالإنسان لا بدّ مِن أن يخْرج من بيتِه مرَّةً بِشَكْل أُفُقي والإنسان يرى مئات المساجد وآلاف المساجِد ؛ يُصَلي أو لا يُصَلِّي لكنَّه بِأنَّهُ ينتمي إلى أمَّة الإسلام يجب أن يدْخُلَ المَسْجِد ليُصَلَّى عليه ! كنتُ مرَّةً في مدينة المغرب ؛ مدينة فاس الإسلامِيَّة، رأيْتُ سمَّانًا كاتِبًا على محلِّه: صلِّ قبل أن يُصَلَّى عليك!
أيها الأخوة، أرَدتُ من هذه الآية:
﴿وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)﴾
لا تُعَوِّد نفْسك الكلام عن أهْلِك وبيْتِك وزوْجَتِك وعن ترتيبها ونظافتها وأناقَتَها، وعن دَخْلِك ؛ هذا مرض النِّساء ؛ فهذا المديح لا يجْلب الخير، فلعلَّ إنسانًا فقيرًا نظَرَ إليك نظْرة حسدٍ فسَرَى إليك الشيطان، متى يُؤثِّر الحسد ؟ إذا كان المَحْسود غافِلاً عن الله تعالى وكان الحاسِد مُتَلَبِّس بالشَّيْطان، وهذه نصيحة كريمة، قال تعالى:
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِي(152)﴾
اُذْكر الله في كل مكان ولن يحْسُدك أحد، بل يغارون منك، وهي مَحْمودة، قال عليه الصلاة والسلام: لا حسد إلا في..." فأنت خلال سماعِك للخُطباء والدروس بلِّغ ما سمِعْت، لأنّ الحديث إذا كان عن الدنيا فإنَّك تجْلب به الأعداء دون أن تشْعُر ؛ إنَّ العَين لتَضَع الجمل في القِدْر، والرجل في القبر مأخوذ من قوله تعالى:
﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ(5)﴾
فالإنسان إذا خرج من مصالحِه، ومن بيْتِهِ إلى خِدْمة الخَلْق وتذْكيرهم بالله وتعريفِهم به، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر انتهى من الحسد، لأنّ الناس تعلَّقوا به عن طريق الله تعالى، قال تعالى:
﴿وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)﴾
يروون قِصصًا غريبة أنَّ أحدهم توفَّى فجاءَهُ الملكان لِيَسْألانِه فجاءتهما - الملكان - ضَرْبتان أخْرجتْهما من القبر، وكانت من شيخ المُتَوَفَّى، وقال لهما: أهذا يُسأَلُ ؟!!! هذه قِصص ما أنزل بها من سلطان، يت فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار ! قال تعالى:
﴿قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ(46)﴾
وقال تعالى:
﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ(1)مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ(2)سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ(3)وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ(4)فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ(5)﴾
فالخَلْط والدَّجل ليس من الدِّين فلا ينقذك إلا التوحيد والاسْتِقامة على الطريق المستقيم
لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، من يبطئ به عمله لم يُسرِع به نسبُه.
قال تعالى:
﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)﴾
وقال تعالى:
﴿لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ(128)﴾
وقال تعالى:
﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(17)﴾
وقال تعالى:
﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(10)﴾
وقال تعالى:
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(123)﴾
وقال تعالى:
﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ(4)﴾
قال تعالى:
﴿وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ(71)﴾
فالفِكْرة الشائِعة بين العوام أنَّ أُمَّة مُحمَّد مرْحومة ! الأمَّة المرحومة هي أمَّةُ الاسْتِجابة لا أمَّةُ التَّبْليغ، فَكُلّ من وُلِد بِبِلاد المسلمين، وكان ينتمي إلى أب وأم مسلمان ؛ هو مِن أُمَّة التَّبليغ، أما أُمَّة الاسْتِجابة هم الذين اسْتَجابوا لله وللرسول لما يُحييهم ؛ صام وصلة وغضَّ بصَرَهُ وحرَّرَ دَخْلَهُ ؛ هذا مِن أمَّة الاسْتِجابة، أما الذي يظنّ أنَّ مَن ارْتَكَب الفواحش والمعاصي وأكل الحرام، والنبي سَيَشْفَعُ له فهُوَ مَفْهوم ساذج، إلا أنَّ الشفاعة لا تكون إلا لِمَن أذِنَ له الرحمن وقال صوابًا، قال تعالى:
﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ(28)﴾
فالشفاعة تحتاج إلى إذْنٍ من الله تعالى، ومَن مات غير مُشْركٍ أصابَتْهُ شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام.
فالطالب لو نجَحَ بِكُل العلامات، وفي مادَّةٍ واحِدَة بقي له خمْس علامات كي ينجَح، هنا يُمْكن أن يُساعَد، ولكن ليس أن يرسُب بِكُل المواد ثمّ يُساعد !
نبْقى في هذه الآية إن شاء الله تعالى، وننتقِل في درْس قادِم إلى التي بعْدها، قال تعالى:
﴿وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)﴾